مواضيع مماثلة
بحـث
المواضيع الأخيرة
X (Twitter)
من خطبة الشهيد حاج نور إلى قصر السيد كرتي
صفحة 1 من اصل 1
من خطبة الشهيد حاج نور إلى قصر السيد كرتي
الإنقاذ.. ومشروع الاغتيال بإشانة السمعة
الاختلاق يتحوَّل من مداخلة اعتراضية في مجلس ثرثرة إلى حديث موثَّق ولا استيثاق فيه
تصاعد وتيرة التناول غير الدقيق والضار برموز الإنقاذ ينحو إلى شكل الظاهرة المخدومة
كلف عبد الرحيم محمد حسين بأمانة مجلس الثورة فظهر عبد العال محمود في متحركات صيف العبور
د. الجاز تقلد الوزارة فمنع أسرته من استخدام المولد الكهربائي وإبراهيم شمس الدين لم يميِّز شقيقه المصاب في العمليات عن الآخرين
لئن أصاب البعض من ضعاف النفوس شيئاً بغير حق فهذا لا يعني تجريم الجميع
القضاء يجب أن يقول كلمته ومن افترى فعليه إقامة الدليل أو نيل العقاب
في العام 1994 إن لم تخُنِّي ذاكرتي وتبهَتْ أمام ناظريها تقاويم السنين التي مضت، أذكر أنني أديت صلاة الجمعة بمسجد الجامعة، والذي لا أدري أي ذنب جناه حتى يتحول إلى ركن منسي في نواهض الإسلاميين بآثارهم في هذا البلد ولهم فيه سوابق ذكر ومذاكرة وسِيَرٌ نيرة بالرجال والمواقف ليسقط سهواً أو عمداً من أعمال التطوير والمحافظة، كان حضورنا لصلاة الجمعة في تلكم البقعة حدثاً وفعلاً راتباً، يتجمع فيه الشباب من أقراننا، من كل الجهات والأعراق، يؤم الناس عادة الشيخ الشهيد أحمد محجوب حاج نور، لا أزال أذكره في جلبابه القصير، ونحوله البيِّن ولحيته التي اتسقت مع نحافته البينة، وممن أذكرهم بالمسجد، بخلاف أرتال الشهداء الذين ودَّعناهم في عرصاته، شاب أظنه من دولة تشاد الجارة.
كان كثيراً ما يصلي بالناس في صلوات القيام، ليالي الخميس الراتبة، لا أعرف اسمه فما كنت من المنتمين لجامعة الخرطوم (أشار إليه الأخ عبد الماجد الحميد من قبل في مقال عن مسجد الجامعة) ، كان الفتى هميماً، تلقاه يروج ويجئ بين المصلين، يُجيب هذا، ويرد على استفسار ذاك. كنت ممن أراهم هناك الشهيد علي عبد الفتاح، دائم الحضور، والناجي عبد الله الذي كان يُكثِر من التعقيب في بعض الأيام، كان ولا يزال شديداً في قول الحق وإرشاد الناس إليه، ناجي الذي فرَّقه السبيل عنا (وأيم والله إني لأحترم خياره فالرجل وإن اختلفتَ معه لا يمكنك إلا احترامه) ، أديت الصلاة في تلكم الجمعة، ولاحظت أن حاج نور لم يؤم الناس يومها وبالتالي لم يخطب، وأكثر من هذا لم يكن من معقب وانفض المصلون بعدها إلى ساحات المسجد، يتبادلون التحايا، وينثرون أحاديث الود المنصوب يومها بين الإسلاميين قبل أن تضربهم جائحة المفاصلة، وهي قدر الله ومصيرهم، ومما أذكره تماماً أنه في اليوم التالي كنت بأحد المواقع والمؤسسات أنجز معاملة لي فوجدت أحد الموظفين يتحدث عن حدث وقع بالأمس في مسجد الجامعة – والحديث للراوي – وكيف أن الإمام حاج نور استن خطبة دعا فيها المواطنين لشد الأحزمة على البطون وتحمُّل مسغبة الحصار والتضييق ثم وبعد أن انتهت الصلاة – والحديث للراوي – نهض أحد المصلين فاحتج بحدة بقوله مخاطباً حاج نور: "إنك تأمرنا بشد الأحزمة على البطون وتخرج وقد رأيتك تشتري بمبلغ عظيم (حدده) من أعظم المتاجر ما لذ وطاب واستطعمته الأعين قبل البطون"!!! الرواية التي صارت، في المؤسسة التي كنت بداخلها لخدمة ما، صارت حديث الموظفين وأنيس مجلسهم حتى تعطلت مصالحنا، فوجدت نفسي في غمرة النقاش أوجه سؤالاً مباشراً لمن نقل الحديث فسألته: (هل أديت صلاة الجمعة بالأمس في الجامعة؟) -وأعنى المسجد بالطبع- فأجاب الرجل دون أن يرجف جفنه: (نعم) فصعقته بالرد: (أنت كاذبٌ..كاذب، بالأمس لم يكن حاج نور هناك ليُصلي أو يخطب أو ليرد عليه أحد)، فاستشاط ناقل الحديث غضباً وطفق في الحلف والقسم، فلم أُعره انتباهاً وخرجت!
المفارقة أن نفس الرواية سمعتها بتخريجات مختلفة تطال أحياناً الأشخاص: (حيناً يوضع الشيخ أحمد علي الإمام وحيناً الصافي جعفر)، وبالتالي ينتقل مسرح الحدث بين الجامعة والفردوس ومسجد القيادة العامة، وفي فترة لاحقة أضيفت رواية كان من شخوصها البارزين الشيخ التجاني سراج، الذي عينته القصة إماماً لمسجد النيلين رغم أن الرجل كان يؤم المصلين في مسجد أرباب العقائد بالخرطوم (مسجد فاروق)!
القصة تلك أُورِدُها لأشير إلى ظاهرة الاختلاق، التي تتحول من نثر قصصي وسطر ومداخلة اعتراضية في مجلس ثرثرة لا يتوخَّى الدقة لتتحول بدافع الشائعات والتوليد ثم الإضافة إلى مروية لا يحقق فيها أحد لتتحول بمرور الزمن إلى مسلمة وحديثاً موثقاً ولا استيثاق فيه، وشواهد هذا كثيرة، ومنها أنه أثناء حملة صيف العبور (يذكرها السودانيون بافتتاحية الشهيد وداعة الله إبراهيم الشهيرة طلقة طلقة ودانة دانة، واحدة واحدة وبي رزانة.. حينما تحركت الكتائب من ملكال)، وكان يومها العميد آنذاك عبد العال محمود قائداً لمتحركات تمخر عباب النيل وسدوده نحو (شامبي) وغيرها، وكان قبلها يتقلد منصب الأمين العام لمجلس قيادة الثورة (خلفه في المنصب العقيد حينها عبد الرحيم محمد حسين) ، أشاع البعض أن مجلس قيادة الثورة فصل أمينه العام رغم أن الرجل كان يؤدي واجبه كضابط عظيم وجندي باسل بالجيش، إلى أن ظهر إلى جوار الشاعر وجندي المدفعية الخطيب (طيب الأسماء محمد الرفاعي)، ثم انتهت مهمة ليعود إلى أحد وحدات القوات المسلحة وأفرعها متنقلاً إلى أن وصل رتبة اللواء ثم تقاعد لينصرف إلى أنشطته العامة في الرياضة واللجنة الأولمبية، جلس حين تنتهي به المجالس لا يسأل الناس حواراً أو صخباً، جاهد واستبسل (عبد العال) ولم يزعم أنه كان الأمين العام لمجلس قيادة الثورة فعزل وكوفئ بالنقل إلى مناطق العمليات لكن آليات توليد القصص السماعية نسجت يومها (أبريل من العام 1992) قصص الخلافات والانشقاقات حتى أتى صوت الرائد حينها يونس محمود عبر (الحديث السياسي) وافتتاحية (أيها الشعب السوداني البطل) قاطعاً الطريق أمام تخرُّصات الساعين بالكذب الرخيص، كانت مسيرة الجرارات قوية، يومها انتصبت الشجاعة باسلة ومضى (وداعة) و(عاصم) و(سانتينو) والشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم من باريس والخرطوم يتابع، فيخرج قاصداً منطقة (الكلالكة) ليتلقى والدة الشهيدة وداعة الله إبراهيم ويكتب لها: (يا عازة ولدك فيه سر) التي غناها الموسيقار الأستاذ صلاح بن البادية والذي أخشى أنه تسجيل قد ضاع مثلما ضاع كثير من التوثيق لمسيرة الجهاد والاستشهاد في السودان أدباً وفكراً وشخوصاً.
إن تصاعد وتيرة التناول غير الدقيق والضار لرموز الإنقاذ والحكومة ينحو هذه الأيام شكل الظاهرة التي تؤسس لقاعدة "أطلق الطلقة الأولى" (الكذبة) فتترسخ ثم تنمو على حواشيها القصص الأخرى والإضافات!!
كان هذا ضرباً في السنوات الأولى، قصير النفس.. بطئ الإيقاع، لكنه ألان يتمدد، الظاهرة لا تنفي، للأمانة، وجود أوجه ونماذج تستحق البتر والإعفاء والإبعاد النهائي ممن أضرت بهم السلطة من الإسلاميين أو المتمسحين بهم، أو الذين صعدوا إلى قطار الإنقاذ وصاروا فيه، ربما الجهة التي تمنح التذاكر وتحدد مجالس القوم ودرجات إقامتهم في التنظيم والدولة، لكن الأمثلة المعنية بهذا كذلك يحتاج الحديث عنها خاصة في سياق التناول الاعلامي إلى الضبط والتدقيق لكي لا يكون الحديث مرسلاً، إلا أن ثمة مخطط مرسوم يبدو وكأنه منتظم ويُدار بعناية لاختيار نماذج إمَّا لكونها في مواقع مفصلية وحساسة أو لكونها قيادات ذات تأثيرٍ وصيت، لقد استهدفت صورة الأخ وزير الخارجية الأستاذ علي كرتي، الذي زعم البعض أنه يمتلك قصراً وداراً منيفة، يتوسطها حوض للسباحة تغوّل به الرجل على حصة عامة المواطنين وحقهم الكامل في الماء القراح، هذا زَعْمٌ إن صح يستحق عليه كرتي ومن يناصره، التعنيف، (الاستحواذ على الماء لا بناء القصر طالما أن الرجل صاحب مال وهو كذلك قبل أن يأتي للسلطة أو يقربها) لكن وحينما تحسس بعض الغاضبين الأمر توصلوا إلى أن شيئاً من هذا بشأن الماء، والخط الناقل لها الذي قيل إنه خصص لها لم يحدث!
ومثل هذا كثير يُطلَق في الهواء والمجالس والصحف، يُغذَّى لينمو حديثاً حراماً، يدعم فقط اتجاهات التلويث والاغتيال المعنوي وإهدار قيمة هذه الحكومة وحزبها بين الناس، ومما يزيد من فرص نجاح مثل هذه الأمور التعامل السهل، مع من تثبُت بحقه تجاوزات في الاختلاق، فلم نشهد يوماً وزيراً أو مسئولاً يتمسك بحق حتى آخر درجات التقاضي وإقامة موازين العدل بالإثبات أو مواجهة العواقب، ومما يُغذِّي هذا صمت كثير من الإخوان والرجال الذين يُعرفون بحكم القرب والجوار مع كثير من القيادات وربما عدم قدرتهم على التواصل بالإبانة والتوضيح لكونهم مجرد أشخاص تنحصر مهامهم في منع الناس من التواصل مع زيد أو عبيد، أو تحولهم بمرور الزمن وحكم العادة إلى مجرد موظفي سكرتارية لا يجيدون سوى تنظيم المواعيد ومراجع الذهاب والإياب من اجتماع إلى آخر!
إن رجلاً مثل وزير الصناعة الحالي الدكتور عوض أحمد الجاز حينما وُلِّيَ الوزارة أول عهد الإنقاذ وكان قد أتاها من أحد البنوك ذات اليسار والسعة، كان أول ما فعله حينما أدى القسم بالوزارة أن منع أسرته من استخدام مولدٍ للكهرباء اقتناه من حر ماله، كانت البلاد حينها تضربها ظلمات الانقطاع الدائم والمتصل للتيار الكهربائي فرفض الجاز أن يكون بيته مضاءً بمولَّدٍ من ماله الخاص حتى لا يتميز أبناؤه وحتى لا يقول الجار والمجاور إن الوزير يستغل سلطته للحصول على خدمة عبر شئ لا يُتاح لنا، حمل د. الجاز مولد الكهرباء وأغلقه في غرفة بعيدة وعاش كما يعيش الآخرون. ومثله الشهيد إبراهيم شمس الدين الذي يُصاب أحد أشقائه في مناطق العمليات فيخلى (والجميع يعلمون أنه شقيق وزير الدفاع) مثله مثل البقية حسب حجم إصابته وحسب الظرف المناسب في مناطق العلميات لإخلائه!
إن مثل الجاز وإبراهيم شمس الدين كثيرون، أحياء مرابطون، بتفانيهم في خدمة وطنهم فلئن أصاب البعض من ضعاف النفوس تحت راية الإنقاذ والمؤتمر الوطني شيئاً بغير حق، والحساب أولى بهم، فإن هذا يجب ألا يرد الحقيقة من أن تشهر، إن حرباً ضارية ونيران ثقيلة تصوب الآن إلى جدار الثقة، الذي شيد طوال عشرين عاماً بالقدوة والوضوح والقرب من الناس، يريد البعض، أشخاصاً وجهات، تدمير هذه الثقة وهزها في نفوس السودانيين للقول إن هذا النظام فاسد وفسد، وإنه يُدار بنفر ممن أهمتهم أنفسهم وطفقوا يقصفون على الدنيا من ورق النعيم والثروات، إن هذه الصفحات سنفردها لجلب كل تلك التخرصات وتتبعها روايةً رواية، وعرضها بأبطالها والمتهمين فيها ولئن ثبت خرقٌ وخروجٌ بحق أحد فلا عاصم له منا إلا أن يطردنا من هذه المهنة أو يسُدَّ علينا أقطارها، ولئن ثبت على شخص كذلك افتراء فمن حقه أن نُصوِّب الناس إلى محاسنه..
وأخيراً وليس آخراً
إنني في هذه المساحة اختتم وأسجل عظيم تقديرنا للسبق الذي حققته الزميلة (السوداني) في حادثة المرتب الشهير لأحد المسئولين ودون الخوض في موضوعية تلك المبالغ من عدمها فإن مجرد المنهج الذي اتبع في الوصول إلى الشخص الذي أصدر القرار و(العقد) يعتبر في حد ذاته تصرفاً مهنياً مسئولاً وأميناً ويمثل ميزاناً للعدالة الصحافية التي تستحق التقدير.
الاختلاق يتحوَّل من مداخلة اعتراضية في مجلس ثرثرة إلى حديث موثَّق ولا استيثاق فيه
تصاعد وتيرة التناول غير الدقيق والضار برموز الإنقاذ ينحو إلى شكل الظاهرة المخدومة
كلف عبد الرحيم محمد حسين بأمانة مجلس الثورة فظهر عبد العال محمود في متحركات صيف العبور
د. الجاز تقلد الوزارة فمنع أسرته من استخدام المولد الكهربائي وإبراهيم شمس الدين لم يميِّز شقيقه المصاب في العمليات عن الآخرين
لئن أصاب البعض من ضعاف النفوس شيئاً بغير حق فهذا لا يعني تجريم الجميع
القضاء يجب أن يقول كلمته ومن افترى فعليه إقامة الدليل أو نيل العقاب
في العام 1994 إن لم تخُنِّي ذاكرتي وتبهَتْ أمام ناظريها تقاويم السنين التي مضت، أذكر أنني أديت صلاة الجمعة بمسجد الجامعة، والذي لا أدري أي ذنب جناه حتى يتحول إلى ركن منسي في نواهض الإسلاميين بآثارهم في هذا البلد ولهم فيه سوابق ذكر ومذاكرة وسِيَرٌ نيرة بالرجال والمواقف ليسقط سهواً أو عمداً من أعمال التطوير والمحافظة، كان حضورنا لصلاة الجمعة في تلكم البقعة حدثاً وفعلاً راتباً، يتجمع فيه الشباب من أقراننا، من كل الجهات والأعراق، يؤم الناس عادة الشيخ الشهيد أحمد محجوب حاج نور، لا أزال أذكره في جلبابه القصير، ونحوله البيِّن ولحيته التي اتسقت مع نحافته البينة، وممن أذكرهم بالمسجد، بخلاف أرتال الشهداء الذين ودَّعناهم في عرصاته، شاب أظنه من دولة تشاد الجارة.
كان كثيراً ما يصلي بالناس في صلوات القيام، ليالي الخميس الراتبة، لا أعرف اسمه فما كنت من المنتمين لجامعة الخرطوم (أشار إليه الأخ عبد الماجد الحميد من قبل في مقال عن مسجد الجامعة) ، كان الفتى هميماً، تلقاه يروج ويجئ بين المصلين، يُجيب هذا، ويرد على استفسار ذاك. كنت ممن أراهم هناك الشهيد علي عبد الفتاح، دائم الحضور، والناجي عبد الله الذي كان يُكثِر من التعقيب في بعض الأيام، كان ولا يزال شديداً في قول الحق وإرشاد الناس إليه، ناجي الذي فرَّقه السبيل عنا (وأيم والله إني لأحترم خياره فالرجل وإن اختلفتَ معه لا يمكنك إلا احترامه) ، أديت الصلاة في تلكم الجمعة، ولاحظت أن حاج نور لم يؤم الناس يومها وبالتالي لم يخطب، وأكثر من هذا لم يكن من معقب وانفض المصلون بعدها إلى ساحات المسجد، يتبادلون التحايا، وينثرون أحاديث الود المنصوب يومها بين الإسلاميين قبل أن تضربهم جائحة المفاصلة، وهي قدر الله ومصيرهم، ومما أذكره تماماً أنه في اليوم التالي كنت بأحد المواقع والمؤسسات أنجز معاملة لي فوجدت أحد الموظفين يتحدث عن حدث وقع بالأمس في مسجد الجامعة – والحديث للراوي – وكيف أن الإمام حاج نور استن خطبة دعا فيها المواطنين لشد الأحزمة على البطون وتحمُّل مسغبة الحصار والتضييق ثم وبعد أن انتهت الصلاة – والحديث للراوي – نهض أحد المصلين فاحتج بحدة بقوله مخاطباً حاج نور: "إنك تأمرنا بشد الأحزمة على البطون وتخرج وقد رأيتك تشتري بمبلغ عظيم (حدده) من أعظم المتاجر ما لذ وطاب واستطعمته الأعين قبل البطون"!!! الرواية التي صارت، في المؤسسة التي كنت بداخلها لخدمة ما، صارت حديث الموظفين وأنيس مجلسهم حتى تعطلت مصالحنا، فوجدت نفسي في غمرة النقاش أوجه سؤالاً مباشراً لمن نقل الحديث فسألته: (هل أديت صلاة الجمعة بالأمس في الجامعة؟) -وأعنى المسجد بالطبع- فأجاب الرجل دون أن يرجف جفنه: (نعم) فصعقته بالرد: (أنت كاذبٌ..كاذب، بالأمس لم يكن حاج نور هناك ليُصلي أو يخطب أو ليرد عليه أحد)، فاستشاط ناقل الحديث غضباً وطفق في الحلف والقسم، فلم أُعره انتباهاً وخرجت!
المفارقة أن نفس الرواية سمعتها بتخريجات مختلفة تطال أحياناً الأشخاص: (حيناً يوضع الشيخ أحمد علي الإمام وحيناً الصافي جعفر)، وبالتالي ينتقل مسرح الحدث بين الجامعة والفردوس ومسجد القيادة العامة، وفي فترة لاحقة أضيفت رواية كان من شخوصها البارزين الشيخ التجاني سراج، الذي عينته القصة إماماً لمسجد النيلين رغم أن الرجل كان يؤم المصلين في مسجد أرباب العقائد بالخرطوم (مسجد فاروق)!
القصة تلك أُورِدُها لأشير إلى ظاهرة الاختلاق، التي تتحول من نثر قصصي وسطر ومداخلة اعتراضية في مجلس ثرثرة لا يتوخَّى الدقة لتتحول بدافع الشائعات والتوليد ثم الإضافة إلى مروية لا يحقق فيها أحد لتتحول بمرور الزمن إلى مسلمة وحديثاً موثقاً ولا استيثاق فيه، وشواهد هذا كثيرة، ومنها أنه أثناء حملة صيف العبور (يذكرها السودانيون بافتتاحية الشهيد وداعة الله إبراهيم الشهيرة طلقة طلقة ودانة دانة، واحدة واحدة وبي رزانة.. حينما تحركت الكتائب من ملكال)، وكان يومها العميد آنذاك عبد العال محمود قائداً لمتحركات تمخر عباب النيل وسدوده نحو (شامبي) وغيرها، وكان قبلها يتقلد منصب الأمين العام لمجلس قيادة الثورة (خلفه في المنصب العقيد حينها عبد الرحيم محمد حسين) ، أشاع البعض أن مجلس قيادة الثورة فصل أمينه العام رغم أن الرجل كان يؤدي واجبه كضابط عظيم وجندي باسل بالجيش، إلى أن ظهر إلى جوار الشاعر وجندي المدفعية الخطيب (طيب الأسماء محمد الرفاعي)، ثم انتهت مهمة ليعود إلى أحد وحدات القوات المسلحة وأفرعها متنقلاً إلى أن وصل رتبة اللواء ثم تقاعد لينصرف إلى أنشطته العامة في الرياضة واللجنة الأولمبية، جلس حين تنتهي به المجالس لا يسأل الناس حواراً أو صخباً، جاهد واستبسل (عبد العال) ولم يزعم أنه كان الأمين العام لمجلس قيادة الثورة فعزل وكوفئ بالنقل إلى مناطق العمليات لكن آليات توليد القصص السماعية نسجت يومها (أبريل من العام 1992) قصص الخلافات والانشقاقات حتى أتى صوت الرائد حينها يونس محمود عبر (الحديث السياسي) وافتتاحية (أيها الشعب السوداني البطل) قاطعاً الطريق أمام تخرُّصات الساعين بالكذب الرخيص، كانت مسيرة الجرارات قوية، يومها انتصبت الشجاعة باسلة ومضى (وداعة) و(عاصم) و(سانتينو) والشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم من باريس والخرطوم يتابع، فيخرج قاصداً منطقة (الكلالكة) ليتلقى والدة الشهيدة وداعة الله إبراهيم ويكتب لها: (يا عازة ولدك فيه سر) التي غناها الموسيقار الأستاذ صلاح بن البادية والذي أخشى أنه تسجيل قد ضاع مثلما ضاع كثير من التوثيق لمسيرة الجهاد والاستشهاد في السودان أدباً وفكراً وشخوصاً.
إن تصاعد وتيرة التناول غير الدقيق والضار لرموز الإنقاذ والحكومة ينحو هذه الأيام شكل الظاهرة التي تؤسس لقاعدة "أطلق الطلقة الأولى" (الكذبة) فتترسخ ثم تنمو على حواشيها القصص الأخرى والإضافات!!
كان هذا ضرباً في السنوات الأولى، قصير النفس.. بطئ الإيقاع، لكنه ألان يتمدد، الظاهرة لا تنفي، للأمانة، وجود أوجه ونماذج تستحق البتر والإعفاء والإبعاد النهائي ممن أضرت بهم السلطة من الإسلاميين أو المتمسحين بهم، أو الذين صعدوا إلى قطار الإنقاذ وصاروا فيه، ربما الجهة التي تمنح التذاكر وتحدد مجالس القوم ودرجات إقامتهم في التنظيم والدولة، لكن الأمثلة المعنية بهذا كذلك يحتاج الحديث عنها خاصة في سياق التناول الاعلامي إلى الضبط والتدقيق لكي لا يكون الحديث مرسلاً، إلا أن ثمة مخطط مرسوم يبدو وكأنه منتظم ويُدار بعناية لاختيار نماذج إمَّا لكونها في مواقع مفصلية وحساسة أو لكونها قيادات ذات تأثيرٍ وصيت، لقد استهدفت صورة الأخ وزير الخارجية الأستاذ علي كرتي، الذي زعم البعض أنه يمتلك قصراً وداراً منيفة، يتوسطها حوض للسباحة تغوّل به الرجل على حصة عامة المواطنين وحقهم الكامل في الماء القراح، هذا زَعْمٌ إن صح يستحق عليه كرتي ومن يناصره، التعنيف، (الاستحواذ على الماء لا بناء القصر طالما أن الرجل صاحب مال وهو كذلك قبل أن يأتي للسلطة أو يقربها) لكن وحينما تحسس بعض الغاضبين الأمر توصلوا إلى أن شيئاً من هذا بشأن الماء، والخط الناقل لها الذي قيل إنه خصص لها لم يحدث!
ومثل هذا كثير يُطلَق في الهواء والمجالس والصحف، يُغذَّى لينمو حديثاً حراماً، يدعم فقط اتجاهات التلويث والاغتيال المعنوي وإهدار قيمة هذه الحكومة وحزبها بين الناس، ومما يزيد من فرص نجاح مثل هذه الأمور التعامل السهل، مع من تثبُت بحقه تجاوزات في الاختلاق، فلم نشهد يوماً وزيراً أو مسئولاً يتمسك بحق حتى آخر درجات التقاضي وإقامة موازين العدل بالإثبات أو مواجهة العواقب، ومما يُغذِّي هذا صمت كثير من الإخوان والرجال الذين يُعرفون بحكم القرب والجوار مع كثير من القيادات وربما عدم قدرتهم على التواصل بالإبانة والتوضيح لكونهم مجرد أشخاص تنحصر مهامهم في منع الناس من التواصل مع زيد أو عبيد، أو تحولهم بمرور الزمن وحكم العادة إلى مجرد موظفي سكرتارية لا يجيدون سوى تنظيم المواعيد ومراجع الذهاب والإياب من اجتماع إلى آخر!
إن رجلاً مثل وزير الصناعة الحالي الدكتور عوض أحمد الجاز حينما وُلِّيَ الوزارة أول عهد الإنقاذ وكان قد أتاها من أحد البنوك ذات اليسار والسعة، كان أول ما فعله حينما أدى القسم بالوزارة أن منع أسرته من استخدام مولدٍ للكهرباء اقتناه من حر ماله، كانت البلاد حينها تضربها ظلمات الانقطاع الدائم والمتصل للتيار الكهربائي فرفض الجاز أن يكون بيته مضاءً بمولَّدٍ من ماله الخاص حتى لا يتميز أبناؤه وحتى لا يقول الجار والمجاور إن الوزير يستغل سلطته للحصول على خدمة عبر شئ لا يُتاح لنا، حمل د. الجاز مولد الكهرباء وأغلقه في غرفة بعيدة وعاش كما يعيش الآخرون. ومثله الشهيد إبراهيم شمس الدين الذي يُصاب أحد أشقائه في مناطق العمليات فيخلى (والجميع يعلمون أنه شقيق وزير الدفاع) مثله مثل البقية حسب حجم إصابته وحسب الظرف المناسب في مناطق العلميات لإخلائه!
إن مثل الجاز وإبراهيم شمس الدين كثيرون، أحياء مرابطون، بتفانيهم في خدمة وطنهم فلئن أصاب البعض من ضعاف النفوس تحت راية الإنقاذ والمؤتمر الوطني شيئاً بغير حق، والحساب أولى بهم، فإن هذا يجب ألا يرد الحقيقة من أن تشهر، إن حرباً ضارية ونيران ثقيلة تصوب الآن إلى جدار الثقة، الذي شيد طوال عشرين عاماً بالقدوة والوضوح والقرب من الناس، يريد البعض، أشخاصاً وجهات، تدمير هذه الثقة وهزها في نفوس السودانيين للقول إن هذا النظام فاسد وفسد، وإنه يُدار بنفر ممن أهمتهم أنفسهم وطفقوا يقصفون على الدنيا من ورق النعيم والثروات، إن هذه الصفحات سنفردها لجلب كل تلك التخرصات وتتبعها روايةً رواية، وعرضها بأبطالها والمتهمين فيها ولئن ثبت خرقٌ وخروجٌ بحق أحد فلا عاصم له منا إلا أن يطردنا من هذه المهنة أو يسُدَّ علينا أقطارها، ولئن ثبت على شخص كذلك افتراء فمن حقه أن نُصوِّب الناس إلى محاسنه..
وأخيراً وليس آخراً
إنني في هذه المساحة اختتم وأسجل عظيم تقديرنا للسبق الذي حققته الزميلة (السوداني) في حادثة المرتب الشهير لأحد المسئولين ودون الخوض في موضوعية تلك المبالغ من عدمها فإن مجرد المنهج الذي اتبع في الوصول إلى الشخص الذي أصدر القرار و(العقد) يعتبر في حد ذاته تصرفاً مهنياً مسئولاً وأميناً ويمثل ميزاناً للعدالة الصحافية التي تستحق التقدير.
طارق حمزة- عدد الرسائل : 889
السٌّمعَة : 4
نقاط : 1633
تاريخ التسجيل : 19/02/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين أكتوبر 11, 2021 5:53 pm من طرف طارق حمزة
» محمود محمد عبدالرحمن
الجمعة سبتمبر 11, 2020 11:05 pm من طرف طارق حمزة
» الحاج بدري عثمان
الخميس يونيو 11, 2020 3:43 am من طرف طارق حمزة
» مجرد راي
الجمعة مايو 29, 2020 3:15 am من طرف طارق حمزة
» حنفي عثمان طه
السبت مايو 18, 2019 10:12 pm من طرف طارق حمزة
» الملك الاعرج
الأحد مارس 17, 2019 7:25 pm من طرف طارق حمزة
» تقرير اداء المنظمة لعام 2016 / 2017
الأحد مارس 17, 2019 7:23 pm من طرف طارق حمزة
» صلة الارحام
الأحد مارس 17, 2019 2:44 pm من طرف طارق حمزة
» الإفطار السنوي للجمعية
الأربعاء مايو 30, 2018 5:36 pm من طرف طارق حمزة