الحاج بدري عثمان

حديث اليوم عن شخصية إستثنائية بل أسطورة.
رحل عن دنيانا بهدوء لم نكن محظوظين إلا في الجزء الأخير من حياته والتى كانت نبراسُ خيرٍ وقدوة تزودنا من طيب معشره وحسن خلقه وعذب حديثه ونصحه المفيد
أحبتى شخصية اليوم يختلف عن رصفائه سيرة ومسيرة عشق القرآن فكان خير جليسه واستمد صفاته وخلقه لتعكس لنا سيرة مليئة بالدروس والعبر ونماذج رائعة لتقدير الغير ونكران الذات وشحذ الهمم وتعضيد التكافل وفعل الخير مما جعل لنفسه مساحة معتبرة في قلوب الجميع انه الشيخ الوقور والعلامة الغائب الحاضر (الشيخ بدري عثمان بدري) ومن منا لا يتذكر خصال هذا العلم والقامة
ومن دواعي سروري كنت محظوظاً وفي سن مبكرة جداً آثرت جواره لأسباب عدة ويرجع الفضل بعد الله سبحانه وتعالى إلى عمي (آدم حمزة) طيب الله ثراه وجعله في عليين. حيث كان يدفعنى دائما لنداء الصلوات مؤذنا وكان يكلفنى بنظافة المسجد( القديم) بعد فطور الجمعة مباشرة أسبوعياً ولم يغيب عن خيالى هذا الشيخ وهو يجلس أمام المنبر ويتلو القرآن بصوت عالى وعندما أدخل للنظافة كان يوجهنى من أين أبدأ ويفتح لي الشبابيك وعندما أفرغ من النظافة يعطينى المبخرة لأناولها لطيبة الذكر جدتنا المرحومة الحاجة (عشمانة إبراهيم)  نسال الله  لها الجنة كانت تعمل في الطرف الآخر لنظافة المسيد القديم وتقوم بتبخير المسجد والمسيد معاً تلك كانت لحظات جميلة للشيخ والحاجة نسأل الله  أن يتقبلهم في  أعلى الجنان
ومن الأشياء التى لفتت انتباهي حينما ياتي إلى منزلنا كل نهاية الشهر لتحصيل إيرادات الرفاس( اللنش) كان للمرحوم الوالد علبة شوكولا فيها (٣١) قطعة قماش يبدأ الوالد من يوم واحد في الشهر يربط إيراد كل يوم بالمقاش حتى يأتي المرحوم بدري آخر كل شهر ليستلم (٣١) ربطة مرقمة من  ( ١ - ٣١ ) وأحيانا تكون ربطة خالية من النقود ليستلم ربطة ربطة ويسجل في دفتر الإيرادات اليومية يا له من زهد وتجرد وامانة ورسالة بمضامين مختلفة رغم عدم معرفتهم بعلم الحسابات وامساك الدفاتر ولكن نزاهتهم لآ تقدر بكنوز الدنيا
ومن المواقف المؤثرة أيضا عندما عزمت مغادرة البلاد متوجها إلى السعودية ذهبت لأودعه وكان الوقت باكراً تقريباً الساعة السادسة صباحاً دخلت عليه وهو متكئ على طرف السرير ويحضن المصحف بجسم منهك ضعيف ويتلوا القرآن بنظارة تطغي على ملامح وجهه ولم أتمالك حينها حبس الدموع فأنفجرت في البكاء وأنا أودعه أخذ نظارته بعيداً على الطاولة مع المصحف وحضنني بجسم ضعيف تطغاه العظام وهو يقول ( اكن فموجي طارق ) حتى أنت ستتركنا يا طارق وقال بصوت باحت حزين ( فكر الجموا اويقا )  ما أظن ترجع تلقانا تاني يا الله كانت لحظات عصيبة ومؤثرة نسأل الله أن يجمعنا في رحابه
الشيخ بدري من الشخصيات التي شُكلت  بأفعاله ومواقفه العظيمة أرثاً تربوياً راسخاً لبناء أجيال واعدة وخاصة أولئك الذين عاصروه في مراحل حياته المختلفة ونحن في جيلنا كنا محظوظين رغم قلة الفترة  ولكننا أفضل حالا من جيل اليوم فلم يروا الكثير من الذين آثروا الساحة بعطاءهم الثر وأتمنى من الجميع أن يطلقوا عنان أقلامهم ليوثقوا هذا الإرث الجميل ليكون نبراساً للأجيال القادمة.
رحم الله الحاج بدري ورفاقه وأسكنهم في الفردوس الأعلى وحسن أولئك رفيقا   طارق حمزة