لكن كنشنر لا يجد الدراويش الان

صحيفة الرائد بقلم اسحاق احمد فضل الله

*.. كل شيء يعيد إلى ذاكرتك بنين من جنسه وحفدة..
* ولما كان (بيلنغهام) الوزير البريطاني يعرض أمس (عزم بلاده على ترقية العلاقات الاقتصادية مع السودان) كانت ذاكرتنا تستقبل مشهداً وكتاباً..
* كتاب حديث يرصد كيف أن المخابرات الغربية أصبحت عجوزاً تعجز حتى عن ابتكار أساليب جديدة للخراب.
* والكتاب يسرد كيف أن أسلوب اغتيال رئيس بنما – قتلته أمريكا- كان هو ذاته أسلوب اغتيال قرنق.. طائرة هيلوكبتر وعاصفة وجبل.. وجثث تختفي.. و..
* مثلها لما كان البريطاني يحدث عن سلسلة من مصارف بريطانية في السودان كان مثقف يحدثنا عن أشهر حادثة في القرن العشرين صنعتها سلسلة مصارف أوروبية..
* وسلسلة المصارف الأوروبية والأمريكية كانت تصنع أسطورة نمور آسيا..
* وسبع دول آسيوية نهاية القرن الماضي تصبح قوة اقتصادية هائلة..
* والأرض أخذت زخرفتها وأزينت وظن أهلها أنهم..
* وذات ليلة شهيرة يأتي سفراء أوروبا ويجلسون مع قادة الدول السبع ويقدمون مطالب صغيرة تجعل حكومات الدول الآسيوية هذه تمسك بقرون البقرة والغرب يحلبها..
* والرؤساء الذين يفاجأون يرفضون العرض..
* وفي عشرين ساعة كانت كل المصارف الأجنبية تنسحب..
* ودول آسيا تسقط على وجهها في نصف يوم..
* والوزير البريطاني لا ينسى في مؤتمره أن يشير إلى دعم بريطانيا للجنائية..
* وبريطانيا والآخرون كلهم يجد نهاية الأسبوع الماضي أن دولاً افريقية تستقبل البشير في تشاد.. ويوغندا دول افريقيا فيها تدعم البشير..
*.. والجنائية (تقنع) من افريقيا..
* والجنائية تلتفت لتقود أوروبا..
* والاعتقاد الساذج الذي يظن أن الجنائية أصغر من أن تقود أحداً هو ذاته الوتر الذي تشده المخابرات لتعزف عليه أغنيتها..
* بينما الجنائية هي الجناح القانوني للماسونية.. والماسونية تقود العالم.
* وآخر اصدارات مركز البحوث في الكويت تحمل أسماء وصور وكتابات عميقة عن عضوية كل رؤساء أوروبا وأمريكا في المحفل الماسوني..
* وفي اليوم ذاته كان الباحث المصري زكي البحيري صاحب كتاب (السودان تحت الحكم الإنجليزي المصري) يلهث خلف القضاء لإطلاق سراح كتابه الذي صادرته السلطات المصرية.
* وفي الكتاب كان الباحث يشير إلى دور بريطانيا في تقسيم السودان..
قال: 1918 الانجليز يقيمون مدارس الإرساليات في الجنوب بمعلمين من يوغندا وكينيا..
.. 1921م استبعاد اللغة العربية وإحلال كتابة اللهجات المحلية والانجليزية هناك..
.. 1921م حكام الولايات الجنوبية لا يشهدون لقاء حكام الولايات الشمالية..
.. 1922 جوازات سفر ومنع سفر الشماليين للجنوب، والجنوبيون للشمال..
.. 1922م مؤتمر الرجاف يشهده ممثلو الهيئات التبشيرية وبداية المنهج التعليمي للجنوب..
.. 25/1/1930 بداية تنفيذ خطة ماك مايكل لتصفية كل آثار عربية في الجنوب..
.. 1931م بداية تهجير التجار للشمال..
*..و..
* سلسلة طويلة من الخطوات تنتهي الآن إلى الهدف الأصل.. الانفصال..
* والشأن لا ينتهي هناك فالمعارضة (التجمع) أيام الإنقاذ كان هو.. وفي اسمرا في مايو 1995م في المؤتمر الأشهر هناك تعلن المعارضة: حق الجنوب في تقرير المصير..
فصل الدين عن الدولة..
استعادة الديمقراطية..
* كل هذا كان يتداعى إلى الذاكرة والسيد البريطاني المحترم يعلن عودة بريطانيا للتعامل الاقتصادي مع السودان..
* والمقاومة للاستعمار كانت هناك ولها صورة غريبة ترسم كيف يمكن للإخلاص أن يكون أسوأ من الخيانة..
* والمغرب يحتفل بالطيب صالح أمس الأول..
* وأشهر مجموعة قصصية سودانية في الخمسينات كان اسمها (النازحان والشتاء)..
* وأشهر رواية هي موسم الهجرة إلى الشمال..
* وكلاهما روايات ضد الانجليز..
* والسودانيون يجدون أنهم عاجزون عن مقاومة بريطانيا عسكرياً أو اقتصادياً وفكرياً..
* ويجدون سلاحاً للمقاومة..
* وفي (النازحان والشتاء) كان الشاب السوداني يغوي زوجة المفتش الانجليزي..
.. المفتش الذي كان يقضي ليله في المكتبة يقرأ شكسبير.
* وحين ينقل يتجه الشاب لاستقبال المفتش الجديد لعله يكون مفتوناً بـ(برنارد شو)..
* ومصطفى سعيد بطل الطيب صالح الذي يهبط لندن وسراويله فوق كتفه كان بطلاً يقود حملته الانتقامية..
* والرجل يستخدم أخطر أفيون في العالم.. أفيوناً سودانياً خالصاً.
* الدلكة والدلوكة..
* يعلمهما لصاحبته (جين مورس) التي تمثل بريطانيا والطيب صالح يجعل جين مورس (عبدة) لمصطفى سعيد وهو يسقي عروقها بالطغيان السوداني إلى درجة تجعلها تقول (أجي.. وسجم خشمي)..
* وجين مورس لا تجد طريقة للخلاص من الإدمان إلا الانتحار..
* وتنتحر وتترك لصاحبها رسالة من خمس كلمات..
(مستر سعيد.. عليك لعنة الله..)
* الطيب صالح يرسم حقيقة أن المقاومة..
* موجودة.. وعاجزة..
* والطيب وحده يقف هناك مشكوراً..
* لكن بطل الطيب مثل الطيب ذاته يعود الى السودان والدين..
* وأغرب شيء هو أن الطيب صالح الذي يبدأ أمره بتسجيل السيرة النبوية للإذاعة يكمل حياته بالسيرة النبوية..
* كل هذا نلتقي به.. ومحاص المعترك الجديد الذي يأتي بكتشنر سيء الحظ الذي يفاجأ بأن من يقف الآن على شاطئ أم درمان شيء غير الدراويش..